مُقَدِمَة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأمينُه من خلقِه على وحيِه أرسله الله بالرسالة الخاتمة ليهلك من هلك عن بينة , ولن يقبضه حتى أتم له الدين.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ()
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾()
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ ()

أما بعدُ :

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة فى النار.

أما بعدُ :

فقد جرت سنة الله تعالى في عباده أن يعاملهم بحسب أعمالهم فإذا اتقى العباد ربهم تعالى أنزل عليهم البركات من السماء وأخرج لهم الخيرات من الأرض , قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) وقال تعالى (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ) وإذا تمرد العباد على شرع الله تعالى وفسقوا عن أمره وخرجوا عن طاعته وطاعة رسله أتاهم العذاب والذل والصغار من حيث لا يشعرون , قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) , وقال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) , فكل ما يحصل للعباد من إحن ومحن ومصائب وبلايا فبما كسبت أيديهم ويعفوا عن كثير , قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) , وقد قص الله تعالى علينا في كتابه الكريم عن أمم من قبلنا أهلكم ولم يبق منهم أحداً لمّا عَصوْه وعتوا عن أمره . هذه الأمم التي أهلكها الله تعالى ذكر لنا من خبرهم للتحذير من أن نسلك مسلكهم ونحذو حذوهم فالله تبارك وتعالى لا يجامل أحداً من خلفه ولا يحابي مخلوق فالناس كلهم عنده سواسيه , قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) فأبى الله تعالى إلا يذل من عصاه . وجرت سنة الله تعالى ان هناك أسباباً إذا وقع فيها العباد فقد أحلوا بانفسهم عذاب الله عز وجل واستجلبوا غضبه وانتقامه ومما يجب التنبيه إليه أن الهلاك للأمم الخارجة عن أمر ربها ورسله إما أن يكون هلاكاً حياً أي يسلط الله عليهم من يستأصل شأفتهم من عدو ظالم أو ينزل عليهم عذابا من عنده , قال تعالى (فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) وأما أن يكون هلاكاً معنوياً وهو الذل والصغار والهوان والضعف ودنوا المنزلة وانحطاط المكانه . وهذا من أشد أنواع الهلاك ألماً على النفس الحرة الأبية.

وبعد فهذه رسالة صغيرة الحجم عظيمة النفع إن شاء الله تعالى جمعت فيها بعض الأسباب التي تهلك الأمم . والغرض من هذا أن نعلم أن ما نزل بالأمة من وضعف وهوان وذل وصغار لا يخرج عن سنة الله الكونية « أبى الله إلا أن يذل من عصاه » ,وأيضاً إذا تلبس أحد من أفراد الأمة رجلاً كان أوامره بأي سبب من هذه الأسباب فليعلم أنه أصبح معولاً في هدم بنيان الأمة فليتق الله ربه وليقلع عن هذا السبب . وتنبه أيضاً إلى أن الأصل الذي نسير عليه هو أن نأتي بالسبب ثم نأتي بالدليل الشرعي عليه من كتاب الله تعالى أو من الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأيضاً سيرى القاريء لهذه الرسالة أن هناك أسباباً من أول وهلة تعتبر صغيرة ولا تستوجب الهلاك من وجهة نظره . وهذا لا يعول عليه فطالما أن السبب جاء مقروناً بالدليل فلا مفر منه ولا محيص عنه قال تعالى ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) .