السبب الأول : الكفر بالله تعالى وتكذيب الرسل

برهان ذلك قال تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا * وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا) .

قال الإمام ابن كثير « يقول تعالى متوعداً من كذّب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من مشركي قومه ومن خالفه يحذرهم من عقابه وأليم عذابه مما أحله في الأمم الماضية المكذبين لرسله , نبدأ بذكر موسى فأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرا أي نبياً مؤازراً ومؤيداً وناصراً فكذبهما فرعون وجنوده ( دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ) , وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحاً عليه السلام ومن كذّب برسول فقد كذّب بجميع الرسل إذ لا فرق بين رسول ورسول ولو فرض ان الله تعالى بعث اليهم كل رسول فأنهم كانوا يكذّبون , فلهاذا قال تعالى ( وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ) ولم يبعث اليهم إلا نوح فقط وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل ويحذرهم نقمه (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ) لهذا أغرقهم الله تعالى جميعاً لم يبقى منهم أحد ولم يُترك من بني آدم على وجه الأرض إلا أصحاب السفينة فقط (وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) أي عبرة يعتبرون بها » أ.هـ

قال تعالى (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ * قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )

قال الإمام ابن كثير : " هؤلاء ـ يعني أصحاب الأيكة ـ هم أهل مدين على الصحيح وكان نبي الله شعيب من أنفسهم وإنما لم يقل ههنا أخوهم شعيب لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة وهي شجرة وقيل شجر ملتف كالغيضة كانوا يعبدونها فلهذا لما قال : كذب أصحاب الايكة المرسلين لم يقل : إذ قال لهم أخوهم شعيب وإنما قال { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ } فقطع نسب الأخوة بينهم للمعنى الذي نسبوا إليه وإن كان أخاهم نسبا ".