التنافس على الدنيا

عن عمرو بن عوف قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين قالوا أجل يا رسول الله قال أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم".

عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا الدينارَ والدرهمَ أهلكا مَن كان قبلَكم، وما أراهما إلا مُهلِكاكم " .

فمن هذين النصين دليل واضح على أن التنافس على الدنيا والحرص على الدينار والدرهم بدون الضوابط الشرعية حتماً سيؤدي إلى الهلاك .

التنافس من المنافسة وهى الرغبة في الشيء ومحبة الأنفراد والمغالبة عليه وأصلها من الشيء نفسه في نوعه , قال النووي : " قال العلماء : التنافس إلى الشيء المسابقة إليه ، وكراهة أخذ غيرك إياه ، وهو أول درجات الحسد " .

قال الحافظ بن حجر: " قوله ( فوالله ما الفقر أخشى عليكم ) بنصب الفقر أي ما أخشى عليكم الفقر ويجوز الرفع بتقدير ضمير أي ما الفقر أخشاه عليكم والأول هو الراجح وخص بعضهم جواز ذلك بالشعر وهذه الخشية يحتمل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستفتح عليهم ويحصل لهم الغنى بالمال وقد ذكر ذلك في أعلام النبوة مما أخبر - صلى الله عليه وسلم - بوقوعه قبل أن يقع وفيه  أشار بذلك إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى ; لأن مضرة الفقر دنيوية غالبا ومضرة الغنى دينية غالبا .

قوله ( فتهلككم ) أي لأن المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه فتمنع منه فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة المفضية إلى الهلاك قال ابن بطال : فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها فلا يطمئن إلى زخرفها ولا ينافس غيره فيها ويستدل به على أن الفقر أفضل من الغنى لأن فتنة الدنيا مقرونة بالغنى والغنى مظنة الوقوع في الفتنة التي قد تجر إلى هلاك النفس غالبا والفقير آمن من ذلك ".

عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال : " أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا صلى بالناس يخر رجالٌ من قامتهم في الصلاة من الخصاصةِ وهم أصحابُ الصُّفَّةِ حتى يقول الأعرابُ هؤلاء مجانين أو مجانون فإذا صلى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ انصرف إليهم فقال لو تعلمون مالكم عند اللهِ لأحببتُم أن تزدادوا فاقةً وحاجةً ".

ذكر الإمام أبو الفرج الجوزي : " قَالَ لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ يُرْسِلُ شَيَاطِينَهُ إِلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجيئون إِلَيْهِ بِصُحَفِهِمْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ فَيَقُولُ لَهُمْ مَالَكُمْ لا تُصِيبُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَقَالُوا مَا صَحِبْنَا قَوْمًا مِثْلَ هَؤُلاءِ فَقَالَ رُوَيْدًا بِهِمْ فَعَسَى أَنْ تُفْتَحَ لَهُمُ الدُّنْيَا هُنَالِكَ تُصِيبُونَ حَاجَتَكُمْ مِنْهُمْ " . وقد كان .

حقيقة الدنيا :

قال أبو الفرج الجوزي : " ليس في الدنيا على الحقيقة لذة إن ما فيها هو راحة من مؤلم ".

وقال أيضاً : " من تلمح أحوال الدنيا علم أن مراد الحق سبحانه اجتنابها . فمن مال إلى مباحها ليلتذ وجد مع كل فرحة ترحة، وإلى جانب كل راحة تعباً، وآخر كل لذة نقصاً يزيد عليها. وما رفع شيء من الدنيا إلا ووضع , فيعلم العاقل أن مراد الحق بهذا التكدير التنفير عن الدنيا، فيبقى أخذ البلغة منها ضرورة، وترك الشواغل، فيجتمع الهم في خدمة الحق , ومن عدل عن ذلك ندم على الفوات " .

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم زهد العبد في الدنيا سببا لمحبة الله له ومحبة الناس .

عن سهل بن سعد قال : قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم " يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ازهد في الدنيا يحبك اللهوازهد فيما في أيدي الناس يحبوك " .

 

تم بحمد الله ,,,