برهان ذلك :
عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما . قال فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية . فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعرف في وجهه الغضب . فقال " إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب " .
روى الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو عبد الله بن عمرو بن العاص سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتدارؤون فقال : " إنما هلك من كان قبلكم بهذا , ضربوا كتاب الله بعضه ببعض , وإنما نزل كتاب الله ليصدق بعضه بعضا , فلا تكذبوا بعضه ببعض , فما علمتم منه فقولوا , وما جهلتم فكلوه إلى عالمه " .
قال عبد الله بن عمرو بن العاص " لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم , أقبلت أناوأخي وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من أبوابه , فكرهنا أن نفرق بينهم , فجلسنا حجرة , إذ ذكروا آية من القرآن , فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم , فخرج رسول الله مغضبا حتى احمر وجهه , يرميهم بالتراب , ويقول : مهلا يا قوم , بهذا أهلكت الأمم من قبلكم , باختلافهم على أنبيائهم , وضربهم الكتب بعضها ببعض , إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا , بل يصدق بعضه بعضا , فما عرفتم منه فاعملوا به , وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه " .
روى الشيخان عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم ، فإذا اختلفتم فقوموا عنه " .
أنزل الله تعالى الكتاب المقدس جميعاً هداية وإرشاداً وعصمة من الزيغ والإنحراف إن تمسَّكوا به.
روى البخاري من حديث أنس بن مالك " أنه سمع عمرَ، الغدَ حين بايع المسلمون أبا بكرٍ، واستوى على منبرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، تشهَّد قبل أبي بكرٍ فقال : أما بعد، فاختار اللهُ لرسولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتابُ الذي هدى اللهُ به رسولَكم، فخُذوا به تهتدوا لما هدى اللهُ بهِ رسولَه " .
فإذا وجدت الإختلاف فيما جعله الله تعالى هداية بلا شك أن هذا من أعظم الهلاك وهذا حذر منه منه النبي صلى الله عليه وسلم , ففي حديث جندب قوله " فإذا أختلفتم " قال بن حجر أي في فهم معانيه وقوله " فقوموا عنه " أي تفرقوا لئلا يتمادى بكم الإختلاف إلى الشر , قال القاضي عياض ويحتمل أن يكون المعنى إقرءوا والزموا الإئتلاف على ما دل عليه وقاد إليه فإذا وقع الإختلاف أو عرض عارض شبهه يقتضي المنازعة الداعية إلى الإفتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة .
وقال المناوي في فيض القدير " ( اقرأوا القرآن) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي مادامت قلوبكم تألف القرآن : يعني اقرؤه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم أو صارت قلوبكم في فكرة شئ سوى قراءتكم وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه : أي اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب " .
قال الإمام النووي " الأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز، إذا حصل اختلافٌ لا يجوز، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز، كاختلاف في نفس القرآن، أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد، أو اختلاف يوقع في شكٍ أو شبهة أو فتنة وخصومة أو شجار ونحو ذلك , وأما الاختلاف في استنباط فروع الدين منه، ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق، واختلافهم في ذلك، فليس منهيا عنه، بل هو مأمورٌ به، وفضيلة ظاهرة، وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن والله أعلم " .
روى أبو داوود والحاكم بسند صحيح من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم " المراء في القرآن كفر " .
" قَالَ الْمُنَاوِيُّ : أي الشك في كونه كلام الله ، أو أراد الخوض فيه بأنه محدث أو قديم ، أو المجادلة في الآي المتشابهة وذلك يؤدي إلى الجحود فسماه كفرا باسم ما يخاف عاقبته .
وقال الطيبي : هو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن ليدفع بعضه ببعض فينبغي أن يجتهد في التوفيق بين المتخالفين على وجه يوافق عقيدة السلف ، فإن لم يتيسر له فليكله إلى الله تعالى.
وقال أبو عبيد : ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل ولكنه على الاختلاف في اللفظ وهو أن يقول الرجل على حرف ، فيقول الآخر ليس هو هكذا ولكنه على خلافه وكلاهما منزل مقروء به ، فإذا جحد كل واحد منهما قراءة صاحبه لم يؤمن أن يكون ذلك يخرجه إلى الكفر " .
بعض الأسباب التي تؤدي إلى الاختلاف في القرآن :
1. إتباع المتشابه وعدم رده إلى المحكم
دليله : عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم } : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله . والراسخون في العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا ، وما يذكر إلا أولوا الألباب } [ 3 / آل عمران / 7 ] . قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله ، فاحذروهم. "
"قوله تعالى " هو الذي أنزل عليك الكتاب " : يعني القرآن منه آيات محكمات : قال الخازن في تفسيره يعني مبينات مفصلات أحكمت عبارتها من احتمال التأويل والاشتباه ، سميت محكمة من الإحكام ، كأنه تعالى أحكمها فمنع الخلق من التصرف فيها لظهورها ووضوح معناها إلى { أولو الألباب } : وتمام الآية مع تفسيرها هكذا هن أم الكتاب : يعني هن أصل الكتاب الذي يعول عليه في الأحكام ويعمل به في الحلال والحرام .
فإن قلت : كيف قال هن أم الكتاب ولم يقل أمهات الكتاب ، قلت لأن الآيات في اجتماعها وتكاملها كالآية الواحدة وكلام الله كله شيء واحد ، وقيل إن كل آية منهن أم الكتاب كما قال وجعلنا ابن مريم وأمه آية : يعني أن كل واحد منهما آية . وأخر : جمع أخرى متشابهات : يعني أن لفظه يشبه لفظ غيره ومعناه يخالف معناه.
فإن قلت : قد جعله هنا محكما ومتشابها وجعله في موضع آخر كله محكما فقال في أول هود الر كتاب أحكمت آياته : وجعله في موضع آخر كله متشابها فقال تعالى في الزمر "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها" : فكيف الجمع بين هذه الآيات .
قلت : حيث جعله كله محكما أراد أنه كله حق وصدق ليس فيه عبث ولا هزل ، وحيث جعله كله متشابها أراد أن بعضه يشبه بعضا في الحسن والحق والصدق" . ولم يات كله محكماً لإمتحان قلوب العباد بالتصديق .
معنى المحكم والمتشابه : "قال الغزالي في المستصفى : الصحيح أن المحكم يرجع إلى معنيين : أحدهما المكشوف المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال واحتمال ، والمتشابه ما يتعارض فيه الاحتمال ، والثاني أن المحكم ما انتظم ترتيبه مفيدا إما ظاهرا وإما بتأويل ، وأما المتشابه فالأسماء المشتركة كالقرء فإنه متردد بين الحيض والطهر" .
"قال ابن عباس رضي الله عنه إن الآيات المحكمة هي الناسخ والمتشابهات هي الآيات المنسوخة ، وبه قال ابن مسعود وقتادة والسدي .
وقيل : إن المحكمات ما فيه أحكام الحلال والحرام ، والمتشابهات ما سوى ذلك يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا.
وقيل : إن المحكمات ما أطلع الله عباده على معناه ، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه فلا سبيل لأحد إلى معرفته ، نحو الخبر عن أشراط الساعة مثل الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها وفناء الدنيا وقيام الساعة " .
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره : وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه ، فروي عن السلف عبارات كثيرة ، وأحسن ما قيل فيه هو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار حيث قال : منه آيات محكمات فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه . قال والمتشابهات في الصدق ليس لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق ، ولهذا قال تعالى( فأما الذين في قلوبهم زيغ: ( أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل فيتبعون ما تشابه منه : أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ولهذا قال تعالى ( ابتغاء الفتنة ( أي الإضلال لأتباعهم ، أما إنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم كما قالوا : احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وتركوا الاحتجاج بقوله إن هو إلا عبد أنعمنا عليه : وبقوله ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ( : وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله تعالى وعبد ورسول من رسل الله ,( فأما الذين في قلوبهم زيغ ( : أي ميل عن الحق ".
قال ابن القيم في إعلام الموقعين : إذا سئل أحد عن تفسير آية من كتاب الله تعالى أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة لموافقة نحلته وهواه ، ومن فعل ذلك استحق المنع من الإفتاء والحجر عليه .
2. الجهل بالقراءات المتواترة :
عن أبي بن كعب قال : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار . قال فأتاه جبريل عليه السلام . فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف . فقال " أسأل الله معافاته ومغفرته . وإن أمتي لا تطيق ذلك " . ثم أتاه الثانية . فقال :إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين . فقال " أسأل الله معافاته ومغفرته . وإن أمتي لا تطيق ذلك " . ثم جاءه الثالثة فقال : إن الله يأمرك أنتقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف . فقال " أسأل الله معافاته ومغفرته . وإن أمتي لا تطيق ذلك " . ثم جاءه الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتكالقرآن على سبعة أحرف . فأيما حرف قرءوا عليه ، فقد أصابوا " .
فمن جهل بعض القراءات وسمعها من غيره سُينكر عليه ويؤدي ذلك إلى الإختلاف كما حدث بين عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم .
قال عمر بن الخطاب : " سمعتُ هشامَ بنِ حكيمٍ يقرأ سورةَ الفرقانِ في حياةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فاستمعتُ لقراءَته، فإذا هو يقرأ على حروفٍ كثيرةٍ لم يُقرئٍنيها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فكدتُ أساورُه في الصلاةِ، فتصبَّرتُ حتى سلَّم، فلببتُه بردائِه، فقلتُ : من أقرأَك هذه السورةَ التي سمعتك تقرأ ؟ قال : أقرأَنيها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلتُ : كذبتَ، أقرأَنيها على غيرِ ما قرأتَ، فانطلقتُ به أقودُه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلتُ : إني سمعتُ هذا يقرأ سورةَ الفرقانِ على حروفٍ لم تُقرئنيها، فقال : ( أرسِلهُ، اقرأْ يا هشامُ ) . فقرأ القراءةَ التي سمعتُه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( كذلك أنزلتْ ) . ثم قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ( اقرأْ يا عمرُ ) . فقرأتُ التي أقرأني، فقال : ( كذلك أُنزلتْ، إنَّ هذا القرآنَ أُنزل على سبعةِ أحرفٍ، فاقرؤوا ما تيسَّر منه )" .
فمن رحمة الله تعالى بالأمة أن الله تعالى أنزل القرآن على سبعة أحرف تيسيراً على الأمة الإسلامية وتخفيفاً عليها وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق وحبيب الحق حيث قال أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق .
المقصود بالحروف : يقول صاحب القاموس: الحرف من كل شيء طرفه وشفيره وحده ومن الجبل أعلاه المحدد ثم يقول: وواحد حروف التهجي وعند النحاة ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل ، و في القرآن الكريم نجد كلمة حرف مذكورة في سورة الحج في قوله تعالى: "ومن الناس من يعبد الله على حرف" أي : وجه واحد وهو أن يعبده على السراء لا على الضراء أو على شك أو على غير طمأنينة على أمره ونزول القرآن على سبعة أحرف ليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه , ولكن المعنى أن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن" .
والأوجه السبع على الراجح من أقوال اهل العلم هى ما ذهب إليه أبو الفضل الرازي في اللوائح وهى:
أ- اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث :
مثال قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) قرىء لأماناتهم بالجمع وأماناتهم بالإفراد , وكذلك (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ) بموقع النجوم بالإفراد .
ب- اختلاف تصريف الأفعال من ماض – مضارع – أمر:
مثال قوله تعالى (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) قرىء بفتح الراء (وَلا يُضَارَّ ) وضم الراء (وَلا يُضَارُّ ) , فالضم على أن لا نافيه فالفعل بعدها مرفوع والفتح على أن لا ناهية والفتحة التي على الراء هى فتحة إدغام المثلين , وكذلك ( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ) المجيد قرأت بالرفع على أنها نعت لكلمة ذو , وقرأت بالجر على أنها نعت لكلمة العرش .
ت- الإختلاف بالنقص والزيادة :
أما الزيادة فكما في قوله تعالى ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ) قرأ بحذف وما خلق فهذا بالنقص , أما الزيادة فكما في قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين ) بزيادة ورهطك منهم المخلصين .
ث- الإختلاف بالتقديم والتأخير :
مثال قوله تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) قرأ هكذا ( وجاءت سكرة الحق بالموت )
ج- الإختلاف بالإبدال :
مثال قوله تعالى (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ) بالزاي وقرأ ننشرها بالراء , وكذلك قوله تعالى ( وطلحٍ منضودٍ ) قرىء "وطلع" بالعين
ح- اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والترقيق والتخفيم ونحو ذلك :
مثال قوله تعالى ( هل أتاك حديث موسى ) تقرأ بالفتح والإمالة في (أتى) ولفظ (موسى) .
ملحوظة :
قال أبو شامة " وظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هى التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة , وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل".
" وقال مكي بن أبي طالب: هذه القراءات التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن...، ثم قال: وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما " .
والأصل المقرر عند الأئمة في ثبوت القراءة هو يصح سنده في السماع ويستقيم وجهه في العربية وموافق خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوص عليها ومتى فقد شرط من الثلاث فهو الشاذ .
3. إعمال الرأي والهوى :
قال تعالى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا - أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا ) .
قال ابن تيمية رحمه الله : من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين ، فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه .
وقال ابن حزم: "فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم أو الشك فيهم البتة".
فكل من أعمل رأيه وهواه في كتاب الله فسوف ياتي بالعجائب التي تؤدي إلى الإختلاف ومنه يأتي الهلاك .
بعض الأمثلة للتعارض الظاهري بين بعض الآيات القرآنية والجواب عنها وقد ذكرها الإمام البخاري في صحيحه و وذكر الحافظ في الفتح أن هذه الآيات المتعارضة في الظاهر ذكرها نافع لأبن عباس :
أحدها : قوله تعالى (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) يتناقض مع قوله تعالى ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ولا يتسألون ) ويتناقض مع قوله ( ولتسألن عما كنتم تعملون ).
الجواب : فقال -يعني- ابن عباس : (فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ): في النفخة الأولى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) ]الزمر:68] فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الأخرى: (أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) .
الثاني : قوله تعالى ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ - ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) في هذه الآيات كتموا الشرك , وقوله تعالى (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ) وفي هذه الآية ما كتموا .
الجواب : قال بن عباس "يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، وقال المشركون تعالوا نقول : لم نكن مشركين . فختم على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذلك عرفوا أن الله لا يكتم حديثاً ، وعنده ، "يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض".
الثالث : قوله تعالى ( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ - وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ - ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ - فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) هذا صريح في ان الأرض مخلوقه قبل السماء .
الجواب : "خلق الأرض في يومين" "ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات" في يومين آخرين ثم دحا الأرض ، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى . وخلق الجبال والآكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله : دحاها وقوله تعالى : "خلق الأرض في يومين" فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السموات في يومين , خلق الله الأرض في يومين ثم خلق السماء في يومين ثم دحا الأرض في يومين قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ) .
الرابع : وكان الله غفوراً رحيماً - عزيزاً حكيماً - سميعاً بصيراً , فكأنه كان ثم مضى.
الجواب : أن الله تعالى سمى نفسه غفورا رحيما وسمعيا بصيرا , فكان وإن كانت للماضي لكنها لا تستلزم الإنقطاع بل المراد أنه لم يزل كذلك , فالتسمية مضت لأن المتعلق إنقضى وأما الصفتان فلا يزالان كذلك ولا ينقطعان لأنه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال والإستقبال وقع مراده .